أخبار عالميّة في الرابع من نوفمبر... هل يعلن الناخب الأمريكي بداية تقهقر الصـ..هيونـ..ية؟ بقلم المنصف بن مراد
بقلم الصحفي والكاتب: المنصف بن مراد
تتجه الأنظار في الرابع من نوفمبر المقبل نحو نيويورك، المدينة التي قد تشهد حدثًا سياسيًا استثنائيًا في التاريخ الأمريكي الحديث. ففي ذلك اليوم، ستُجرى الانتخابات البلدية التي يتقدم فيها زهـران ممداني، المرشح المسلم البالغ من العمر 34 عامًا، بفارق مريح في استطلاعات الرأي على منافسه أندرو كومو، السياسي المخضرم والحاكم السابق لولاية نيويورك.
ورغم أن المنافسة تبدو محلية في ظاهرها، إلا أن خلفياتها تتجاوز حدود نيويورك لتلامس أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الأمريكية: العلاقة مع إسرائيل والنفوذ الصهيوني في مفاصل القرار.
مرشح مسلم في وجه التيار
منذ إعلان ترشحه، واجه ممداني حملة إعلامية وسياسية شرسة، تقودها منظمات ضغط نافذة، في مقدمتها اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (AIPAC)، التي تُعد الذراع السياسية الأبرز للتيار الصهيوني في الولايات المتحدة.
السبب في ذلك واضح وبسيط: ممداني لا يخفي دعمه العلني للقضية الفلسطينية، ويُصر على توصيف ما يجري في غزة بـ"الإبادة الجماعية"، ما جعله هدفًا مباشرا لحملات التشويه والاتهامات.
ووفق تقارير إعلامية أمريكية، أنفقت «أيباك» ما يعادل 150 مليار بمليماتنا التونسية على حملات دعائية هدفها ضرب صورة المرشح الشاب، الذي بات يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الشباب، والطلاب، والمجتمعات المهمّشة وأمريكيين من أصول إفريقية والمنظمات ذات الجذور الإسلامية.
تحالف المال والنفوذ
في مواجهة ممداني، تجمّعت قوى المال والسياسة والإعلام حول منافسه أندرو كومو.
فمن رجال الأعمال الكبار إلى البنوك العملاقة، مرورًا بشخصيات قريبة من بنيامين نتنياهو، اصطفّ الجميع لدعم كومو، رغم ما يلاحقه من اتهامات بالتحرش والاعتداء الجنسي من قبل ثلاث عشرة امرأة.
حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دخل على خط المعركة، مهاجمًا ممداني ووصفه بـ«الشيوعي»، متوعدًا بحرمانه من التمويل الفدرالي إذا فاز بمنصب العمدة.
كما تلقى كومو دعمًا ماليًا كبيرًا، من بينهم براين تشيسكي، مؤسس "إيربي إن بي"، الذي تبرع له بمبالغ ضخمة، إلى جانب الملياردير أرييل أكمان، أحد أبرز ممولي اللوبي المؤيد لإسرائيل.
صعود مفاجئ... وشعبية متنامية
ورغم كل ذلك، استطاع زهـران ممداني أن يتصدر استطلاعات الرأي بفارق 18 نقطة، مستفيدًا من موجة دعم شبابية لافتة، خصوصًا من فئة الجامعيين الذين برزوا في حملات التضامن مع فلسطين منذ بداية الحرب على غزة.
اعتمد هؤلاء الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "تيك توك"، لتنظيم حملة ميدانية غير مسبوقة شملت التسجيل الانتخابي، والزيارات الميدانية، وجمع التبرعات الشعبية.
التحول في المزاج الأمريكي بدا واضحًا: فبعد عقود من الاصطفاف الأعمى خلف السياسات الإسرائيلية، تزايدت الأصوات المنتقدة للنفوذ الصهيوني وللتمويل السخي الذي تتلقاه إسرائيل على حساب قضايا الفقر والتمييز الاجتماعي في الداخل الأمريكي.
وعود اجتماعية... ورمز للتحول
ما يمنح ممداني زخمه الحقيقي ليس فقط مواقفه السياسية، بل مشروعه الاجتماعي التقدمي:
فقد وعد بتجميد الإيجارات، وإنشاء حضانات بلدية مجانية في الأحياء الفقيرة، وتمويل متاجر غذائية بلا أرباح، وفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء، وإتاحة النقل العام المجاني في بعض المناطق.
كما أن شخصيته الكاريزمية – فهو مغني راب سابق وناشط اجتماعي – جعلت منه رمزًا لجيل جديد يرفض منطق السوق والسياسة الموجّهة بالمال، ويدعو إلى عدالة إنسانية واقتصاد اجتماعي أكثر توازنًا.
بين التاريخ والمصير
لكن هذا الصعود اللافت أثار في الوقت نفسه المخاوف من أن يلقى ممداني مصير شخصيات أمريكية سابقة اصطدمت باللوبيات الكبرى، مثل الرئيس الراحل جون كينيدي، الذي ما زال اغتياله مثار جدل بين الباحثين.
فهل يشهد الرابع من نوفمبر ولادة صفحة جديدة في التاريخ السياسي الأمريكي؟
هل ينجح ممداني في كسر واحدة من أقدم التابوهات في الحياة العامة الأمريكية: أن دعم فلسطين لا يعني نهاية الحياة السياسية؟
سؤال مفتوح على احتمالات عديدة، في بلد بدأ شبابه يطالبون بأمريكا أكثر عدلًا وإنسانية، وأقل خضوعًا لإملاءات المال والنفوذ الإسرائيلي.